الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: زاد المعاد في هدي خير العباد (نسخة منقحة)
.مَنْ قَالَ تَعْتَدّ فِي مَنْزِلِهَا الّتِي تُوُفّيَ زَوْجُهَا وَهِيَ فِيهِ: .هَلْ مُلَازَمَةُ الْمَنْزِلِ حَقّ عَلَى الْمُعْتَدّةِ أَوْ حَقّ لَهَا: .هَلْ الْإِسْكَانُ حَقّ عَلَى الْوَرَثَةِ يُقَدّمُ عَلَى الْغُرَمَاءِ: وَالثّانِي: أَنّ لَهَا السّكْنَى حَقّ ثَابِتٌ فِي الْمَالِ تُقَدّمُ بِهِ عَلَى الْوَرَثَةِ وَالْغُرَمَاءِ وَيَكُونُ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ لَا تُبَاعُ الدّارُ فِي دَيْنِهِ بَيْعًا يَمْنَعُهَا سُكْنَاهَا حَتّى تَنْقَضِيَ عِدّتُهَا وَإِنْ تَعَذّرَ ذَلِكَ فَعَلَى الْوَارِثِ أَنْ يَكْتَرِيَ لَهَا سَكَنًا مِنْ مَالِ الْمَيّتِ. فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ أَجْبَرَهُ الْحَاكِمُ وَلَيْسَ لَهَا أَنْ تَنْتَقِلَ عَنْهُ إلّا لِضَرُورَةٍ. وَإِنْ اتّفَقَ الْوَارِثُ وَالْمَرْأَةُ عَلَى نَقْلِهَا عَنْهُ لَمْ يَجُزْ لِأَنّهُ يَتَعَلّقُ بِهَذِهِ السّكْنَى حَقّ اللّهِ تَعَالَى فَلَمْ يَجُزْ اتّفَاقُهُمَا عَلَى إبْطَالِهَا بِخِلَافِ سُكْنَى النّكَاحِ فَإِنّهَا حَقّ لِلّهِ تَعَالَى لِأَنّهَا وَجَبَتْ مِنْ حُقُوقِ الْعِدّةِ وَالْعِدّةُ فِيهَا حَقّ لِلزّوْجَيْنِ. وَالصّحِيحُ الْمَنْصُوصُ أَنّ سُكْنَى الرّجْعِيّةِ كَذَلِكَ وَلَا يَجُوزُ اتّفَاقُهُمَا عَلَى إبْطَالِهَا هَذَا مُقْتَضَى نَصّ الْآيَةِ وَهُوَ مَنْصُوصُ أَحْمَدَ وَعَنْهُ رِوَايَةٌ ثَالِثَةٌ أَنّ لِلْمُتَوَفّى عَنْهَا السّكْنَى بِكُلّ حَالٍ حَامِلًا كَانَتْ أَوْ حَائِلًا فَصَارَ فِي مَذْهَبِهِ ثَلَاثُ رِوَايَاتٍ دُونَ الْحَائِلِ هَذَا تَحْصِيلُ مَذْهَبِ أَحْمَدَ فِي سُكْنَى الْمُتَوَفّى عَنْهَا. وَأَمّا مَذْهَبُ مَالِكٍ فَإِيجَابُ السّكْنَى لَهَا حَامِلًا كَانَتْ أَوْ حَائِلًا وَإِيجَابُ السّكْنَى عَلَيْهَا مُدّةَ الْعِدّةِ قَالَ أَبُو عُمَرَ: فَإِذَا كَانَ الْمَسْكَنُ بِكِرَاءِ؟ فَقَالَ مَالِكٌ: هِيَ أَحَقّ بِسُكْنَاهُ مِنْ الْوَرَثَةِ وَالْغُرَمَاءِ وَهُوَ مِنْ رَأْسِ مَالِ الْمُتَوَفّى إلّا أَنْ يَكُونَ فِيهِ عَقْدٌ لِزَوْجِهَا وَأَرَادَ أَهْلُ الْمَسْكَنِ إخْرَاجَهَا. وَإِذَا كَانَ الْمَسْكَنُ لَزَوْجِهَا لَمْ يُبَعْ فِي دَيْنِهِ حَتّى تَنْقَضِيَ عِدّتُهَا انْتَهَى كَلَامُهُ. وَقَالَ غَيْرُهُ مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ: هِيَ أَحَقّ بِالسّكْنَى مِنْ الْوَرَثَةِ وَالْغُرَمَاءِ إذَا كَانَ الْمِلْكُ لِلْمَيّتِ أَوْ كَانَ قَدْ أَدّى كِرَاءَهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ قَدْ أَدّى فَفِي التّهْذِيبِ: لَا سُكْنَى لَهَا فِي مَالِ الْمَيّتِ وَإِنْ كَانَ مُوسِرًا وَرَوَى مُحَمّدٌ عَنْ مَالِكٍ: الْكِرَاءُ لَازِمٌ لِلْمَيّتِ فِي مَالِهِ وَلَا تَكُونُ الزّوْجَةُ أَحَقّ بِهِ وَتُحَاصّ الْوَرَثَةُ فِي السّكْنَى وَلِلْوَرَثَةِ إخْرَاجُهَا إلّا أَنْ تُحِبّ أَنْ تَسْكُنَ فِي حِصّتِهَا وَتُؤَدّيَ كِرَاءَ حِصّتِهِمْ. وَأَمّا مَذْهَبُ الشّافِعِيّ: فَإِنّ لَهُ فِي سُكْنَى الْمُتَوَفّى عَنْهَا قَوْلَيْنِ أَحَدُهُمَا: لَهَا السّكْنَى حَامِلًا كَانَتْ أَوْ حَائِلًا. وَالثّانِي: لَا سُكْنَى لَهَا حَامِلًا كَانَتْ أَوْ حَائِلًا وَيَجِبُ عِنْدَهُ مُلَازَمَتُهَا لِلْمَسْكَنِ فِي الْعِدّةِ بَائِنًا كَانَتْ أَوْ مُتَوَفّى عَنْهَا وَمُلَازِمَةُ الْبَائِنِ لِلْمَنْزِلِ عِنْدَهُ آكَدُ مِنْ مُلَازَمَةِ الْمُتَوَفّى عَنْهَا فَإِنّهُ يَجُوزُ لِلْمُتَوَفّى عَنْهَا الْخُرُوجُ نَهَارًا لِقَضَاءِ حَوَائِجِهَا وَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ فِي الْبَائِنِ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ وَهُوَ الْقَدِيمُ وَلَا يُوجِبُهُ فِي الرّجْعِيّةِ بَلْ يَسْتَحِبّهُ. وَأَمّا أَحْمَدُ فَعِنْدَهُ مُلَازَمَةُ الْمُتَوَفّى عَنْهَا آكَدُ مِنْ الرّجْعِيّةِ وَلَا يُوجِبُهُ فِي الْبَائِنِ. وَأَوْرَدَ أَصْحَابُ الشّافِعِيّ رَحِمَهُ اللّهُ عَلَى نَصّهِ بِوُجُوبِ مُلَازَمَةِ الْمَنْزِلِ عَلَى الْمُتَوَفّى عَنْهَا مَعَ نَصّهِ فِي أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ عَلَى أَنّهُ لَا سُكْنَى لَهَا سُؤَالًا. وَقَالُوا: كَيْفَ يَجْتَمِعُ النّصّانِ وَأَجَابُوا بِجَوَابَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنّهُ لَا تَجِبُ عَلَيْهَا مُلَازَمَةُ الْمَسْكَنِ عَلَى ذَلِكَ الْقَوْلِ لَكِنْ لَوْ أُلْزِمَ الْوَارِثُ أُجْرَةَ الْمَسْكَنِ وَجَبَتْ عَلَيْهَا الْمُلَازَمَةُ حِينَئِذٍ وَأَطْلَقَ أَكْثَرُ أَصْحَابِهِ الْجَوَابَ هَكَذَا. وَالثّانِي: أَنّ مُلَازَمَةَ الْمَنْزِلِ وَاجِبَةٌ عَلَيْهَا مَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهَا فِيهِ ضَرَرٌ بِأَنْ تُطَالِبَ بِالْأُجْرَةِ أَوْ يُخْرِجَهَا الْوَارِثَ أَوْ الْمَالِكَ فَتَسْقُطُ حِينَئِذٍ. وَأَمّا أَصْحَابُ أَبِي حَنِيفَةَ فَقَالُوا: لَا يَجُوزُ لِلْمُطَلّقَةِ الرّجْعِيّةِ وَلَا لِلْبَائِنِ الْخُرُوجُ مِنْ بَيْتِهَا لَيْلًا وَلَا نَهَارًا وَأَمّا الْمُتَوَفّى عَنْهَا فَتَخْرُجُ نَهَارًا وَبَعْضَ اللّيْلِ وَلَكِنْ لَا تَبِيتُ فِي مَنْزِلِهَا قَالُوا: وَالْفَرْقُ أَنّ الْمُطَلّقَةَ نَفَقَتُهَا فِي مَالِ زَوْجِهَا. فَلَا يَجُوزُ لَهَا الْخُرُوجُ كَالزّوْجَةِ بِخِلَافِ الْمُتَوَفّى عَنْهَا فَإِنّهَا لَا نَفَقَةَ لَهَا فَلَا بُدّ أَنْ تَخْرُجَ بِالنّهَارِ لِإِصْلَاحِ حَالِهَا قَالُوا: وَعَلَيْهَا أَنْ تَعْتَدّ فِي الْمَنْزِلِ الّذِي يُضَافُ إلَيْهَا بِالسّكْنَى حَالَ وُقُوعِ الْفُرْقَةِ قَالُوا: فَإِنْ كَانَ نَصِيبُهَا مِنْ دَارِ الْمَيّتِ لَا يَكْفِيهَا أَوْ أَخْرَجَهَا الْوَرَثَةُ مِنْ نَصِيبِهِمْ انْتَقَلَتْ لِأَنّ هَذَا عُذْرٌ وَالْكَوْنُ فِي بَيْتِهَا عِبَادَةٌ وَالْعِبَادَةُ تَسْقُطُ بِالْعُذْرِ قَالُوا: فَإِنْ عَجَزَتْ عَنْ كِرَاءِ الْبَيْتِ الّذِي هِيَ فِيهِ لِكَثْرَتِهِ فَلَهَا أَنْ تَنْتَقِلَ إلَى بَيْتٍ أَقَلّ كِرَاءً مِنْهُ وَهَذَا مِنْ كَلَامِهِمْ يَدُلّ عَلَى أَنّ أُجْرَةَ السّكَنِ عَلَيْهَا وَإِنّمَا يَسْقُطُ السّكَنُ عَنْهَا لِعَجْزِهَا عَنْ أُجْرَتِهِ وَلِهَذَا صَرّحُوا بِأَنّهَا تَسْكُنُ فِي نَصِيبِهَا مِنْ التّرِكَةِ إنْ كَفَاهَا وَهَذَا لِأَنّهُ لَا سُكْنَى عِنْدِهِمْ لِلْمُتَوَفّى عَنْهَا حَامِلًا كَانَتْ أَوْ حَائِلًا وَإِنّمَا عَلَيْهَا أَنْ تَلْزَمَ مَسْكَنَهَا الّذِي تُوُفّيَ زَوْجُهَا وَهِيَ فِيهِ لَيْلًا لَا نَهَارًا فَإِنّ بَذَلَهُ لَهَا الْوَرَثَةُ وَإِلّا كَانَتْ الْأُجْرَةُ عَلَيْهَا فَهَذَا تَحْرِيرُ مَذَاهِبِ النّاسِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَمَأْخَذُ الْخِلَافِ فِيهَا وَبِاَللّهِ التّوْفِيقُ. وَلَقَدْ أَصَابَ فُرَيْعَةَ بِنْتَ مَالِكٍ فِي هَذَا الْحَدِيثِ نَظِيرُ مَا أَصَابَ فَاطِمَةَ بِنْتَ قَيْسٍ فِي حَدِيثِهَا فَقَالَ بَعْضُ الْمُنَازِعِينَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ لَا نَدْعُ كِتَابَ رَبّنَا لِقَوْلِ امْرَأَةٍ فَإِنّ اللّهَ سُبْحَانَهُ إنّمَا أَمَرَهَا بِالِاعْتِدَادِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا وَلَمْ يَأْمُرْهَا بِالْمَنْزِلِ. وَقَدْ أَنْكَرَتْ عَائِشَةُ أُمّ الْمُؤْمِنِينَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهَا وُجُوبَ الْمَنْزِلِ وَأَفْتَتْ الْمُتَوَفّى عَنْهَا بِالِاعْتِدَادِ حَيْثُ شَاءَتْ كَمَا أَنْكَرَتْ حَدِيثَ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ وَأَوْجَبَتْ السّكْنَى لِلْمُطَلّقَةِ. وَقَالَ بَعْضُ مَنْ نَازَغَ فِي حَدِيثِ الْفُرَيْعَةِ قَدْ قُتِلَ مِنْ الصّحَابَةِ رَضِيَ اللّهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ خَلْقٌ كَثِيرٌ يَوْمَ أُحُدٍ وَيَوْمَ بِئْرِ مَعُونَةَ وَيَوْمَ مُؤْتَةَ وَغَيْرِهَا وَاعْتَدّ أَزْوَاجُهُمْ بَعْدَهُمْ فَلَوْ كَانَ كُلّ امْرَأَةٍ مِنْهُنّ تُلَازِمُ مَنْزِلَهَا زَمَنَ الْعُدّةِ لَكَانَ ذَلِكَ مِنْ أَظْهَرْ الْأَشْيَاءِ وَأَبْيَنِهَا بِحَيْثُ لَا يَخْفَى عَلَى مَنْ هُوَ دُونَ ابْنِ عَبّاسٍ وَعَائِشَةَ فَكَيْفَ خَفِيَ هَذَا عَلَيْهِمَا وَعَلَى غَيْرِهِمَا مِنْ الصّحَابَةِ الّذِينَ حَكَى أَقْوَالَهُمْ مَعَ اسْتِمْرَارِ الْعَمَلِ بِهِ اسْتِمْرَارًا شَائِعًا هَذَا مِنْ أَبْعَدِ الْأَشْيَاءِ ثُمّ لَوْ كَانَتْ السّنّةُ جَارِيَةً بِذَلِكَ لَمْ تَأْتِ الْفُرَيْعَةُ تَسْتَأْذِنُهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنْ تَلْحَقَ بِأَهْلِهَا وَلَمّا أُذِنَ لَهَا فِي ذَلِكَ ثُمّ يَأْمُرُ بِرَدّهَا بَعْدَ ذَهَابِهَا وَيَأْمُرُهَا بِأَنْ تَمْكُثَ فِي بَيْتِهَا فَلَوْ كَانَ ذَلِكَ أَمْرًا مُسْتَمِرّا ثَابِتًا لَكَانَ قَدْ نُسِخَ بِإِذْنِهِ لَهَا فِي اللّحَاقِ بِأَهْلِهَا ثُمّ نُسِخَ ذَلِكَ الْإِذْنُ بِأَمْرِهِ لَهَا بِالْمُكْثِ فِي بَيْتِهَا فَيُفْضِي إلَى تَغْيِيرِ الْحُكْمِ مَرّتَيْنِ وَهَذَا لَا عَهْدَ لَنَا بِهِ فِي الشّرِيعَةِ فِي مَوْضِعٍ مُتَيَقّنٍ. قَالَ الْآخَرُونَ لَيْسَ فِي هَذَا مَا يُوجِبُ رَدّ هَذِهِ السّنّةِ الصّحِيحَةِ الصّرِيحَةِ الّتِي تَلَقّاهَا أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عُثْمَانُ بْنُ عَفّانَ وَأَكَابِرُ الصّحَابَةِ بِالْقَبُولِ وَنَفّذَهَا عُثْمَانُ وَحَكَمَ بِهَا وَلَوْ كُنّا لَا نَقْبَلُ رِوَايَةَ النّسَاءِ عَنْ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَذَهَبَتْ سُنَنٌ كَثِيرَةٌ مِنْ سُنَنِ الْإِسْلَامِ لَا يُعْرَفُ أَنّهُ رَوَاهَا عَنْهُ إلّا النّسَاءُ وَهَذَا كِتَابُ اللّهِ لَيْسَ فِيهِ مَا يَنْبَغِي وُجُوبُ الِاعْتِدَادِ فِي الْمَنْزِل حَتّى تَكُونَ السّنّةُ مُخَالِفَةً لَهُ بَلْ غَايَتُهَا أَنْ تَكُونَ بَيَانًا لِحُكْمِ سَكَتَ عَنْهُ الْكِتَابُ وَمِثْلُ هَذَا لَا تُرَدّ بِهِ السّنَنُ وَهَذَا الّذِي حَذّرَ مِنْهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِعَيْنِهِ أَنْ تُتْرَكَ السّنّةُ إذَا لَمْ يَكُنْ نَظِيرُ حُكْمِهَا فِي الْكِتَابِ. وَأَمّا تَرْكُ أُمّ الْمُؤْمِنِينَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهَا لِحَدِيثِ الْفُرَيْعَةِ- فَلَعَلّهُ لَمْ يَبْلُغْهَا وَلَوْ بَلَغَهَا فَلَعَلّهَا تَأَوّلَتْهُ وَلَوْ لَمْ تَتَأَوّلْهُ فَلَعَلّهُ قَامَ عِنْدَهَا مُعَارِضٌ لَهُ وَبِكُلّ حَالٍ فَالْقَائِلُونَ بِهِ فِي تَرْكِهِمْ لِتَرْكِهَا لِهَذَا الْحَدِيثِ أَعْذَرُ مِنْ التّارِكِينَ لَهُ لِتَرْكِ أُمّ الْمُؤْمِنِينَ لَهُ فَبَيْنَ التّرْكَيْنِ فَرْقٌ عَظِيمٌ. وَأَمّا مَنْ قُتِلَ مَعَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَمَنْ مَاتَ فِي حَيّاتِهِ فَلَمْ يَأْتِ قَطّ أَنّ نِسَاءَهُمْ كُنّ يَعْتَدِدْنَ حَيْثُ شِئْنَ وَلَمْ يَأْتِ عَنْهُنّ مَا يُخَالِفُ حُكْمَ حَدِيثِ فُرَيْعَةَ الْبَتّةَ فَلَا يَجُوزُ تَرْكُ السّنّةِ الثّابِتَةِ لِأَمْرِ لَا يُعْلَمُ كَيْفَ كَانَ وَلَوْ عُلِمَ أَنّهُنّ كُنّ يَعْتَدِدْنَ حَيْثُ كَانَ الْأَصْلُ بَرَاءَةَ الذّمّةِ وَعَدَمَ الْوُجُوبِ. وَقَدْ ذَكَرَ عَبْدُ الرّزّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ كَثِيرٍ قَالَ قَالَ مُجَاهِدٌ: اُسْتُشْهِدَ رِجَالٌ يَوْمَ أُحُدٍ فَجَاءَ نِسَاؤُهُمْ إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقُلْنَ إنّا نَسْتَوْحِشُ يَا رَسُولَ اللّهِ بِاللّيْلِ فَنَبِيتُ عِنْدَ إحْدَانَا حَتّى إذَا أَصْبَحْنَا تَبَدّدْنَا فِي بُيُوتِنَا فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ تَحَدّثْنَ عِنْدَ إحْدَاكُنّ مَا بَدَا لَكُنّ فَإِذَا أَرَدْتُنّ النّوْمَ فَلْتَؤُبْ كُلّ امْرَأَةٍ إلَى بَيْتِهَا وَهَذَا وَإِنْ كَانَ مُرْسَلًا فَالظّاهِرُ أَنّ مُجَاهِدًا إمّا أَنْ يَكُونَ سَمِعَهُ مِنْ تَابِعِيّ ثِقَةٍ أَوْ مِنْ صَحَابِيّ وَالتّابِعُونَ لَمْ يَكُنْ الْكَذِبُ مَعْرُوفًا فِيهِمْ وَهُمْ ثَانِي الْقُرُونِ الْمُفَضّلَةِ وَقَدْ شَاهَدُوا أَصْحَابَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَأَخَذُوا الْعِلْمَ عَنْهُمْ وَهُمْ خَيْرُ الْأُمّةِ بَعْدَهُمْ فَلَا يُظَنّ بِهِمْ الْكَذِبُ عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَلَا الرّوَايَةُ عَنْ الْكَذّابِينَ وَلَا سِيّمَا الْعَالِمُ مِنْهُمْ إذَا جَزَمَ عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِالرّوَايَةِ وَشَهِدَ لَهُ بِالْحَدِيثِ فَقَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ: وَفَعَلَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَأَمَرَ وَنَهَى فَيَبْعُدُ كُلّ الْبُعْدِ أَنْ يُقْدِمَ عَلَى ذَلِكَ مَعَ كَوْنِ الْوَاسِطَةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ كَذّابًا أَوْ مَجْهُولًا وَهَذَا بِخِلَافِ مَرَاسِيلِ مَنْ بَعْدَهُمْ فَكُلّمَا تَأَخّرَتْ الْقُرُونَ سَاءَ الظّنّ بِالْمَرَاسِيلِ وَلَمْ يُشْهَدْ بِهَا عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَبِالْجُمْلَةِ فَلَيْسَ الِاعْتِمَادُ عَلَى هَذَا الْمُرْسَلِ وَحْدَهُ وَبِاَللّهِ التّوْفِيقُ.
|